أجمع خبراء وقانونيون وسياسيون على أن ضمان سلامة وحرية الملاحة في المياه الدولية هي مسؤولية جماعية تتقاسمها جميع دول العالم، وأنه لا يمكن أن تتصدى دولة لوحدها لعمليات تخريب تستهدف حرية الملاحة، مشيرين إلى ضرورة عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث الاعتداءات التي استهدفت أربع سفن شحن تجارية مدنية بالقرب من المياه الإقليمية لدولة الإمارات وإعلان المتورطين.
وشددوا في تصريحات لـ«الاتحاد» على أنه يجب على المجتمع الدولي أن يفي بالتزاماته وتعهداته من خلال فتح تحقيق دولي لمعرفة الجهة المخربة وإدانتها لهذه العمل الإجرامي وتوقيع العقوبات الاقتصادية والسياسية بما يتناسب مع حجم التخريب، على أن تكون العقوبات رادعة لكل من يعتقد أنه يستطيع أن يعتدي على سيادة الدول المسالمة.
وفي هذا الإطار، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الأمور تسير بشكل طبيعي في الإمارات لأنها دولة قوية لا تهتز ضد أي أفعال تخريبية، مضيفاً أن هناك فروقاً بين الحدود البحرية والمياه الإقليمية والموانئ الساحلية، وكل ذلك يحكمه قانون دولي مفصل لمثل تلك العمليات التخريبية التي طالت بعض السفن بالقرب من المياه الإقليمية لدولة الإمارات.
وأضاف أنه لا بد من عقد جلسة طارئة وعاجلة لمجلس الأمن للاستماع لما حدث، وإعلان المتورطين في هذا الأمر، لأن هناك علامات استفهام حول من قام بالعمل، مشيراً إلى أن الأمر لن يمر مرور الكرام، وأن القادم هو الأخطر، لأن من قام به يحاول نقل رسالة بأن هناك تصعيداً في المنطقة.
ولفت فهمي إلى أن هناك تحديات ومخاطر على أمن الأشقاء ودول المنطقة، وهذا يدعو لموقف عربي موحد، لتصدير رسالة بأن أمن الإمارات خط أحمر، مشيراً إلى أن الإمارات عضو بمجلس الأمن وبمجلس التعاون الخليجي، ولا بد من إدانة ما حدث.
وتوقع صدور المزيد من بيانات المساندة للإمارات من دول مجلس الأمن لأن ما حدث تعدٍ على عضو بالمجلس، لافتاً إلى أن القانون الدولي ينظم سير السفن دولياً، وأي عمل يقع في تلك الطرق يحمل مسؤولية دولية على من قام بالعمل التخريبي، وهو ما يحدد حجم التعويضات عن الخسائر التي لحقت بأعمال التخريب.
ومن جانبه، كشف الربان البحري المصري نبيل عبد الوهاب، عن أن القانون الدولي واضح في ما يخص الاعتداء على السفن الخاصة بالدول، ويعتبر الاعتداء عليها في المياه الإقليمية مثل الاعتداء على الدولة نفسها، ويحق لها استخدام القوة للدفاع عن نفسها، سواء ضد الميليشيات المسلحة أو حملات القرصنة أو حتى اعتداء دولة أخرى عليها، الأمر الذي يمثل انتهاكاً للقانون الدولي.
وأضاف أن ما تعرضت له الإمارات من اعتداء في المياه الإقليمية يمثل انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي ويستلزم التدخل العاجل من الأمم المتحدة ومجلس الأمن لتأمين مجرى الممرات الدولية والتي أصبحت تتعرض لانتهاكات بحق السفن بشيء من البلطجة غير المسبوقة.
ودان الدكتور أحمد الشامي، خبير اقتصادات النقل البحري ودراسات الجدوى، عملية التخريب التي طالت 4 سفن تجارية، مشيراً إلى أن الممرات المائية الدولية مؤمنة وهي مسؤولية تقع على المجتمع الدولي.
وأوضح أن تأمين الممرات الملاحية الدولية مسؤولية المجتمع الدولي، وهذا أمر قائم بالفعل، وتمارسه جميع دول العالم باتفاقيات دولية خاصة في المناطق التي تتعرض للتهديد والقرصنة مثل باب المندب ومنطقة الصومال والتي تكثر بها عمليات إرهابية وقرصنة.
وأكد الشامي أهمية سلامة النقل البحري والممرات الدولية، وأن العالم أجمع لن يسمح بمثل هذا التخريب الذي تم في بحر عُمان والذي يهدد السلم والأمن العام في المنطقة والعالم، مشيراً إلى أن هذه الحوادث التخريبية مُدبرة وفي غاية الخطورة لأنها قد تنذر بحوادث أخرى مستقبلاً، وهو ما يستدعي تكاتف جميع المؤسسات الدولية لمواجهة مثل هذه الخروقات، متمنياً الأمن والسلام في العالم أجمع.
كما أكد الدكتور محمد شوقي، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة، أن تهديد الملاحة الدولية يمثل جريمة قرصنة، وأن تهديد سلامة النقل البحري والممرات المائية الدولية حتى وإنْ لم تترتب عليه أضرار على هذه السفن؛ يمثل أيضاً جريمة دولية، مشيراً إلى أن ما حصل يوم الأحد من تخريب لـ 4 سفن تجارية لجنسيات مختلفة من قبل بعض الجهات يمثل جريمة دولية لأنه يهدد الملاحة في ممر مائي عالمي بغض النظر عن قرب هذه الحادثة من المياه الإقليمية لدولة الإمارات أو في أعالي البحار.
وحذر من أن تداعيات هذه الحادثة قد تكون خطيرة ومن الممكن أن تكون مقدمة لأشياء أخرى تُعرض أمن وسلامة المنطقة للخطر الكبير.
وحول الإجراءات التي تتخذ في مثل هذه الحوادث في القانون الدولي العام، أكد الدكتور محمد شوقي أنه حتى هذه اللحظة غير معروف من قام بهذا العمل التخريبي، فإذا تأكد لنا بشكل أو بآخر أن ما قامت بهذا دولة من الدول، سيكون هناك موقف ما في القانون الدولي، ولو مجموعة من الأفراد سوف يكون هناك موقف آخر.
وتابع: فإذا كانت دولة من الدول فهي بذلك تهدد السلم الدولي، وفي هذه الحالة يتم اللجوء إلى مجلس الأمن، والمحكمة الدولية للبحار، حيث تلجأ إليهما الدولة التي تعرضت للضرر وتقدم شكوى بتعرضها لتهديد أمنها المائي وتعرضها لمعوقات الملاحة الدولية، لافتاً إلى أهمية تحرك مجلس الأمن في هذه الحوادث لأنها تمثل تهديداً للأمن وللسلم الدولي لأن مثل هذه الحوادث قد يترتب عليها حروب في المستقبل، وحتى يتخذ مجلس الأمن بعض الإجراءات الكفيلة بالقضاء على مثل هذا التهديد ومعاقبة الدولة التي قامت بهذا العمل.
وأضاف: إذا كان من قام بهذه العمليات التخريبية مجموعة من الأفراد ويتبعون أجهزة دولة ما؛ سوف يُطبق عليهم ما يطبق على الدول من اللجوء إلى مجلس الأمن، والمحكمة الدولية للبحار.
أما إذا تنصلت الدولة التابع لها هؤلاء الأفراد، ففي هذه الحالة تعد قرصنة بحرية، ويتم استهدافهم والقبض عليهم في أي من دول العالم ومحاكمتهم في الدولة التي قامت بالقبض عليهم.
وطالب الدكتور محمد شوقي المجتمع الدولي بالقيام بمسؤوليته للحفاظ على أمن وسلامة الممرات المائية، واتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بعدم تكرار مثل هذه الحوادث لأنها تهدد السلم والأمن الدوليين.
ودان الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء عبد المنعم كاطو، العمل التخريبي الذي أصاب 4 سفن بحرية تجارية تابعة لجنسيات مختلفة أمام المياه الإقليمية لدولة الإمارات، واصفاً ما حدث يوم الأحد الماضي بأنه عمل إرهابي وتطور وتصعيد خطير يُعبر عن نوايا شريرة للجهات التي خططت ونفذت لهذه العمليات التي تُعرض سلامة الملاحة البحرية في المنطقة والخليج العربي لخطر كبير، وتهدد حياة الأطقم المدنية العاملة في هذه البواخر.
وأشار اللواء كاطو إلى أن ما قامت به هذه الجهات من أعمال تخريبية يمثل خرقاً للاتفاقات والأعراف الدولية، بل والقيم الإنسانية، لأنه يعرض أرواح الأبرياء العاملين على هذه السفن للخطر، مؤكداً أنه يجب على الدول المتضررة من هذا العمل التخريبي تقديم شكاوى لدى المنظمات المعنية على مستوى العالم، ومخاطبة المجتمع الدولي حتى يتم وقف هذا العبث بأرواح المدنيين من قبل هؤلاء المخربين، وللمحافظة على سلامة وأمن النقل البحري والممرات الدولية.
وأكد اللواء كاطو أن منطقة الخليج العربي منطقة مستهدفة من قبل الجماعات الإرهابية، ولا بد لجميع دول المنطقة أن تتخذ حذرها، ولا بد أن يكون هناك رفع درجة الاستعداد للأساطيل البحرية العسكرية لجميع الدول العربية بالكامل في المنطقة لمواجهة هذا التهديد الذي يمس السلم والأمن الدولي لتأمين المنطقة من مثل هذه الأعمال التخريبية.
مؤكداً أن من ارتكب هذه الحادثة الخطيرة سيجني جراء فعلته أشد العقاب من جميع دول المنطقة.
وأكد اللواء بحري، إبراهيم خليل، رئيس الكلية البحرية المصرية الأسبق، أن الاتجاه لوضع حراسة دولية على الممرات الدولية أصبح ضرورياً، خاصة مع الحادث الأخير الذي شهد استهداف أربع سفن تجارية، مشيراً إلى أن الفترة المقبلة ستشهد مزيداً من الضغوط على الميليشيات الإرهابية المدعومة من دول والتي تستهدف الملاحة الدولية.
وأضاف أن القانون الدولي واضح فيما يخص المياه الإقليمية للدول، وهو يعتبر أن مثل هذه الاعتداءات هي اعتداءات مباشرة تتيح للدول الرد كيفما تشاء، خاصة أن الطرف الآخر قام بإيذاء مصالحها والاعتداء عليها بشكل مباشر، ولا يوجد هناك فرق بين الحدود البحرية والحدود البرية.
كما اعتبر السفير محمد الشاذلي، مساعد وزير الخارجية المصرية السابق، أن الأعمال التخريبية التي تعرضت لها السفن الأربع هي أعمال إرهابية، مشيراً إلى أن هذه السفن تجارية وليست حربية، وأنه ليست هناك حالة حرب تبرر الهجوم على سفن تجارية في أعالي البحار.
وأضاف أن هذه الاعتداءات وقعت في واحد من أهم الممرات التي تتعلق بتجارة النفط، وهو أمر شديد الخطورة، مشيداً بجهود دولة الإمارات وحرصها على تسخير كل الإمكانات من أجل معرفة المتسبب في هذا الحادث.
وأشار إلى أن منطقة الخليج تعيش في حالة تأهب شديد في هذه المرحلة، وهناك الكثير الذين يهمهم إشعال فتيل الانفجار الكبير الذي لن يكون في مصلحة أحد.
واعتبر الدكتور محمود كبيش، أستاذ القانون الدولي بكلية حقوق جماعة القاهرة، إن هذه الأعمال هي خرق للقانون الدولي والأعراف الدولية، مشدداً على ضرورة أن يكون هناك تحرك عربي وتعاون دولي وعربي تجاه هذه الأعمال.
وأشار إلى أن هناك قوانين ومواثيق دولية للأمم المتحدة ومجلس الأمن ومعاهدات دولية، تؤكد ضرورة احترام إرادة الدول وحماية حدودها ومياهها وتحرم الاعتداء عليها.
واستنكر أيمن نصري، مدير المنتدي العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان بجنيف، الاعتداء، واعتبره انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الصادر عن الأمم المتحدة طبقاً للقرار 2749 في 17 ديسمبر 1970 والتي أعلنت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة أن هذه الاتفاقية من شأنها تعزيز السلم والأمن والتعاون والعلاقات الدولية في المياه الدولية، وأي تعدٍ من شأنها أن يهدد حركة السفن التجارية هو انتهاك واضح وسريع لهذه الاتفاقية.
وحذر من أن عدم اتخاذ الإجراءات العقابية المناسبة من جانب المجتمع الدولي سيفتح الباب أمام مواجهات عسكرية بين الجهة المعتدية والدول المتضررة، بحيث لن تقبل دولة الإمارات التعدي على حقوقها بهذا الشكل، لأنها دولة قوية وذات سيادة.
ومن جانبه، قال النائب في البرلمان المصري علاء عابد، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، إن الأمن القومى الخليجي بما فيه أمن دولة الإمارات العربية المتحدة خط أحمر بالنسبة لمصر، وأن أي تهديد للأمن الخليجي هو تهديد للأمن القومى المصري، وأن المساس بأمن الإمارات هو مساس بأمن مصر وخط أحمر بالنسبة لمصر.
وأشار إلى تأكيد وزارة الخارجية المصرية في بيانها على تضامُن مصر، حكومةً وشعباً، مع حكومة وشعب الإمارات الشقيقة في مواجهة التحديات كافة التي قد تواجهها، والتصدي لكل المحاولات لزعزعة استقرار دولة الإمارات الشقيقة، والتأكيد على العلاقات الخاصة والمتينة التي تربط البلديّن، والعمل المشترك للتصدي للتهديدات كافة لأمنهما القومي، واتخاذ ما يلزم من إجراءات في سبيل حفظ أمن واستقرار دولة الإمارات، وتحقيق رفاهية شعبها الكريم.