في صمت الليالي الباردة، هدير الريح الذي لا يهدأ ومساحات الوحدة التى باتت داخل صدري شاسعة، أحسست بغصة الفراق القديم.
.
كأن الجراح على إتفاق مع لسعات البرد القاتلة، فتغزوا كلًا منهما بتتابع جسدي الضئيل، منهك الأطراف، خائر القوى .
أنهض بثقلي متكئًا على كرسي أعياه الزمن، تحللت زواياه و باتت وسائده هرمةٍ كهرم من يستند عليها ليلًا نهارًا .
.
أسير بين الناس، وفي الطرقات لا تعنيني الوجوه، ولا تشدني همسات البشر.
.
أمضي لوجهتي وكأنني أعيش وحدي في كون لا تشملني رحابة مساحته ولا اتساع افقه.
.
فأنا قد اخترت أن أعيش في الزوايا وبين المنحنيات.
.
تصادفني تفاصيل البشر ويطلعني الله على بعض خفايا النفوس دون جهد مني أو تعب.
.
لكنني أغض الطرف و أصم الأذن، فليس لي شأن في تصنيف و أبجديات الناس.
.
يمر زخم اليوم وازدحامه.
.
انسل من بينهم مبتعدًا و مهرولًا لزاويتي على مقعدي الهرم، بين رائحة الخشب ونفحات البرد القاسية.
.
أرفع راسي للسماء وأغمض عيناي ببطء، فيلفني الحنين بوشاحه الشيرازي الصنع، يتسلل الدفء إلى أوصالي وتبتهج مخيلتي بذكرى من عشقت.
.
يتحول الشتاء إلى ربيع ، رائحة الحطب لأنفاس الورد، صوت الريح لتغريد العصافير وضحكات الأطفال الدافئة .
مع ذكراها.
.
تتبدل الحياة، تختلف الأحاسيس، يبدع الخيال برسمها واستحضارها، يتغنى القلب طربًا بمن أغدقت عليه بحنانها وحنينها ودفئها الذي فاق الفصول بوصفه وجمال محياه.
.
يأسرني الحنين فأفقد سيطرتي على ذاتي وأغوص معها إلى سراديب الحُبِّ والجمال.
.
تلقي عليَّ تعويذة الحياة فأعود إلى ريعان الشباب كلي طاقة وأمل لا يعيقني خوف أو تردد من غدٍ فهي محرابي و ملجئي، صومعتي عند الهروب وحين تنتهي بي الطرقات .
.
أفتح عيناي من جديد فلا أجدها.
.
كسرابٍ كانت تفرح القلب والروح لكنها سراب وإن أطالت البقاء.
.
أقف على قدماي فلا تحملني، أسحب خطواتي المثقلة وأفتح نافذتي علها تخرج من داخلي.
.
أستنشق الهواء بقوة فلا تمتلئ رئتي إلا بها، أخرجها ببطء فتأبى.
.
ملكتني طواعيةٍ و حُبًّا مني .
.
كيف أقسوا على روحًا استوطنت واستعمرت كل ما بداخلي فأصبحت بعضها وهيَّ غدت كلي .
.
يصيح الديك و يعلو الصبح وأنا في صراع بين برد الشتاء ودفء الحنين.
.
تلك رواية لن تنتهي إلا برحيل الأجساد واختناق الأرواح و رد الأقدار .
.
دمتم و دامت لكم أرواحكم وبيوتكم الدافئة .
.