بإشتراكك ستستفيد اكثر من خدمات دورية: الملف الإعلامي، تويتر، مقالات الكتاب وغيرها

مشاري الوسمي.. “أزمة عناق”

  • القسم : False
  • تاريخ النشر : Tuesday, May 19, 2020
  • الجريدة : صحيفة أقمار الإخبارية
  • الكاتب : مشاري الوسمي
  • عدد المشاهدات : 1
  • المصدر : إضغط هنا
news-image

غرفة هادئة ، أثاثها يوحي بالأصالة ورائحة الزمن الجميل ، طاولة صغيرة في وسط المكان عليها نظارة ذات إطار معدني وعدسات سميكة ، بقايا أوراق من جريدة بتاريخ قديم .
أشيح بناظري أرى مكتبة بطول الجدار تحتضن أمهات الكتب؛ لا أتمالك نفسي من لمسها، بأطراف أصابعي أبحث فيها عن ملامح الغائب الحاضر .
هناك أريكة صوفية بلون السماء الصافية،.
ذات الأيدِ الخشبية لم يغيرها الزمن ولم تعبث بها رياح التغير والحداثة ؛ هنا أجد نفسي مازلت صغيرًا ؛ فذكرياتي في كل زاوية كطفلٍ صغيرٍ مشاغب ، أحيانًا يغضب منه والده، ودائمًا ما يحنو عليه ويحتضنه .
أجل إنها غرفة أبي؛ بملامح أبي ، ورائحة أبي ، كم أشتاق لصوته ولمسته ، غضبه ودفء حبه ، هو معلمي الأول وصاحب الفضل بعد الله بأن أكون أنا؛ لا شيء يشبه وجوده بالنسبة لي .
فكم أدركت أن لا رحيل بعد رحيله ولا وجع بعد فقده .
استوقفتني صورة له بعثرت أفكاري ، بددت مخاوفي .
فتلك النظرات وإن كانت من صورة ؛ إلا إنها مازالت تحتويني وتكسر جدار الوحشة وأمواج الغربة التي تعتريني، فهو السند و شواطئ الأمان ، كلماته كالوميض تعيدني كلما حادَ بي الطريق وصارعتني الأيام .
في غرفة أبي ؛ لا أقوى على الصراخ ألماً أو شوقًا ، فلا أجرؤ أن أرفع صوتي في حضرته أو حضرة روحه.
فكل ما أستطيع فعله هو تقبيل ذكراه بنظراتي ، أحتضن رائحة وسادته ، أتلمس مقابض الأرائك والأبواب، فهي من أثر أبي ، ولكنه العناق يا أبي ، وآه من العناق الذي استحال في غيابك ، في سماع دقات قلبك ، ولمسات يدك على كتفي ، لا شيء يساويك عندي ، فلا ترحل يا قرة العين وسند الظهر وملاذي بعد الله .
رحمك الله يا قطعة من الفؤاد والروح ، ستظل أزمة عناقك عندي معضلة لا حل لها ، فمكانك سيبقى شاغرًا وإن طال الزمان وكثر البشر .
دمتم بارين بآبائكم الأحياء منهم و الأموات .