حين أقلب صفحات ذكرياتي ، أرى وجوهًا طُمست ذكراها في غياهب الأيام ، و بين أرفف الزمن ، وجوه تركت خلفها الكثير من بصمات الحُبِّ والألم والأمل ، منها ما حُفر في الذاكرة ، غاصَ في عمق الاضلع و بين الشرايين .
لكل بداية حكاية سطرتها الأيام ، عشنا على خُطاها حتى غابت مع غروب حكايتنا ، تلاشت فأصبحت أثرًا بعد عين ، أقف مطولاً بين كل صفحة وصفحة ، منها ما يترك بسمة على محياي ، وبعضها يترك غصة في القلب .
بين هذا وذاك ، آلاف القصص و ملايين المواقف ، التي شكلت في نهايتها ما أبدو عليه اليوم .
فالإنسان يرى النور وهو صفحة بيضاء ، منهم من يكتبها بقلم رصاص ليمحو ويغفر ويسامح ، منهم من يكتبها بحبرٍ جاف فلا ينسى حتى لو شاب الزمان و يبست أوراق العمر ، هناك من يكتبها بدمٍ لا يجف ، حتى تبقى حاضرة في الذاكرة و كالهدف دائماً أمام عينيه .
فالحياة وإن قل عدد الأشخاص حولنا ، و تقلصت الوجوه في عوالمنا ، كالمدرسة نستسقي منها دروسًا وعبر ، منها ما يُنسى في وقته ، و منها ما يبقى إلى الأبد .
مهما كانت تجاربنا و معاركنا ، فنحنُ من عاصرها ، نتائجها لحظات عشناها ، تألمنا أو فرحنا بمرورها .
في آخر الصفحات ؛ يهزني الحنين ، و أغلق صفحاتي ، الشكر و الامتنان لكل من دخل حياتي ، فزرع فيها وردة ، أو قطف منها ، و ترك غصنًا مكسور، و جرحًا ينزف .
قد يطول مشواري ، و أصادف من يكتب في صفحاتي أحرفًا من ذهب لا تتغير ولا تصدأ .
دمتم بخير ، و مُلِئَتْ صفحاتكم بالحُبِّ و الخير والجمال .