لم يحمل اللقاء الذي عُقد في مطلع هذا الأسبوع بين رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل وبين مسؤول التنسيق والارتباط في «حزب الله» وفيق صفا أي جديد، وبقي في إطار الاستطلاع واستكشاف النيات في ضوء طلب باسيل من أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله التدخل في ملف تشكيل الحكومة رغم أنه كان أوعز إلى المعنيين بتشكيل الحكومة الاستعانة بحليفه الاستراتيجي رئيس المجلس النيابي نبيه بري لعله يتمكن من إخراج أزمة التأليف من المأزق الذي تتخبط فيه، خصوصاً أنه كان أطلق مبادرة قوبلت بتأييد محلي وعربي ودولي لعلها تزيل العقبات التي ما زالت تؤخرها.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصدر سياسي رفيع أن صفا حاول في اجتماعه بباسيل أن يستكشف الأسباب الكامنة وراء اندفاعه باستهداف مبادرة الرئيس بري بذريعة أنه لم يعد يلعب دور الوسيط متهماً إياه بالانحياز لصالح الرئيس المكلف سعد الحريري.
وكشف المصدر السياسي أن «حزب الله» فوجئ بتفويض باسيل نصر الله في ملف تشكيل الحكومة، ولم يكن على علم مسبق بما قاله في هذا الخصوص في مؤتمره الصحافي الأحد الماضي، وقال إن باسيل تفرّد بتفويضه من دون التنسيق المسبق مع قيادة الحزب بغية قطع الطريق على من يحاول الذهاب بعيداً في إصدار الأحكام على النيّات وصولاً للاعتقاد بأن باسيل لا يحرّك ساكناً من دون التشاور مع شريكه في ورقة التفاهم.
ولفت إلى أن باسيل أبدى أمام صفا استعداده للتعاون للتغلُّب على العقبات التي تعيق تشكيل الحكومة من دون الدخول في التفاصيل التي يمكن البناء عليها لصرف ما أبداه في تسريع ولادتها، وسأل ما إذا كان يهدف من استعداده اللفظي تمرير رسالة إيجابية إلى نصر الله الذي يتوقّع أن يقول في خطابه الذي يلقيه اليوم كلمة الفصل في تفويض باسيل له في ملف تشكيل الحكومة، مع أنه يدرك سلفاً أنه سيؤكد دعمه لبري من دون أن يقطع مع حليفه الآخر أي «التيار الوطني الحر».
كما سأل: هل سيكون في مقدور نصر الله التوفيق بين دعمه لحليفه الاستراتيجي، أي بري، وبين مراعاته لباسيل الذي يصر - بحسب المصدر - على كسب الوقت لتأتي المفاعيل السياسية المترتبة على الحراك التفاوضي على المستويين الإقليمي والدولي بدءاً بما يدور على جبهة المفاوضات الإيرانية - الأميركية حول الملف النووي لصالحه وتدفع باتجاه اضطرار الرئيس الحريري للاعتذار عن تشكيل الحكومة، مع أنه يدرك سلفاً أن رهانه ليس في محله وأن عزوفه المجاني عن تشكيلها يعني حكماً أنه يقدّم اعتذاره على طبق من فضة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون ووريثه السياسي، أي باسيل.
ورأى المصدر نفسه أن الترابط بين إصرار الحريري على تشكيل الحكومة وبين تمسّك بري بمبادرته سيبقى قائماً ولا يمكن الرهان على فك الارتباط بينهما كما يعتقد الفريق الآخر، وعزا السبب إلى أن عزوف الحريري عن تشكيلها من دون أن يتلازم مع وضع خطة سياسية متكاملة يراد منه قلب الطاولة على من يراهن على اعتذاره لئلا يعتقد أنه يقترب من الدخول في مرحلة سياسية جديدة يراد منها تعويم «العهد القوي» وتأمين الاستمرارية للإرث السياسي لعون من خلال باسيل.
واعتبر أن الاعتذار ليس مدرجاً حتى إشعار آخر على جدول أعمال الحريري، تماماً كتمسّك بري بمبادرته التي يتبنّى فيها المواصفات الفرنسية التي تشكّل الإطار العام لمبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان، وقال إن عون يضع معادلة غير قابلة للصرف سياسيا وتقوم على ربط تشكيل الحكومة بموافقة الحريري على أن يسمّي الوزيرين المسيحيين مع أنه يدرك جيداً أن مثل هذه المعادلة ستولد ميتة.
وقال إنها تعطي باسيل الثلث المعطّل الذي يسمح له بأن ينصّب نفسه رئيساً للحكومة استكمالاً لتنصيبه رئيساً في الظل للجمهورية بقرار من الرئيس المنتخب عون الذي لم يعد يهمه سوى إنقاذ صهره بإعادة تعويمه سياسيا بعد أن عطّل جميع الفرص التي أتاحت له إنقاذ عهده لئلا يتحوّل إلى عهد منتهي الصلاحية سياسيا.
ورداً على سؤال، قال المصدر السياسي إنه لا مجال لإحياء اجتماع البياضة الذي كان شارك فيه إضافة إلى باسيل وصفا، المعاون السياسي لرئيس المجلس النائب علي حسن خليل ونظيره المعاون السياسي لنصر الله حسين خليل، وعزا السبب إلى أن القرار اتُّخذ قبل أن يلجأ باسيل إلى إطلاق النار على مبادرة بري.
وأضاف أن لا مشكلة تحول دون إعادة الروح إلى هذا اللقاء شرط أن يُعقد في مكان آخر لقطع الطريق على باسيل في استغلال استضافته له وتوظيفه وكأنه الآمر الناهي ويعود له حق استخدام الفيتو لتأخير تشكيل الحكومة، وأكد أن اجتماعي البيّاضة وبعبدا لم يُحدثا أي خرق يمكن التعويل عليه لتعويم مشاورات التأليف، محمّلاً عون مسؤولية إطلاق يد صهره في المفاوضات بدلاً من أن يتدخّل لإنقاذها، مع أن القصر الجمهوري كان استضاف اللقاء الأول على مقربة من المكتب الرئاسي.
واعتبر أن ما سيقوله نصر الله في خطابه اليوم الذي يتوجه فيه إلى محازبيه وجمهوره بلا مناسبة بخلاف إطلالاته السابقة يأتي - كما يقول مصدر شيعي لـ«الشرق الأوسط» - في سياق رغبته بوضع النقاط على الحروف لوقف ما يقال من تأويلات إن باسيل تواصل مع قيادة الحزب قبل أن يستعين بأمينه العام طالباً منه التدخّل لفض الخلاف حول تشكيل الحكومة، خصوصاً أن باسيل بطلبه شكّل إحراجاً له لاضطراره إلى التفضيل بين حليفه الاستراتيجي أي بري والآخر «التيار الوطني».
ويبقى السؤال: كيف سيتصرّف نصر الله، وماذا يقول رداً على مطالبة باسيل الاستعانة به؟ وهل سيبقى على تعهده عندما اقترح الاستعانة ببري لإنقاذ عملية التأليف وإخراجها من التأزُّم المنظّم الذي يحاصرها بقيادة عون وفريقه السياسي؟ أم أنه سيحاول التوفيق بين الضدّين؟ وكيف؟ خصوصاً أن باسيل طلب أن يستعين به ضد بري وهو من أوصى شخصياً الاستعانة به لتعويم مشاورات التأليف؟ وعليه، هل يحسم نصر الله أمره بتمرير رسالة إلى باسيل لا لُبس فيها ويفهم منها أن إصراره للعب على طلب الاستعانة ليس في محله، وبات عليه أن يعيد النظر في حساباته بما يخدم الإبقاء على مبادرة بري كممر إجباري للوصول بتشكيل الحكومة إلى بر الأمان، فيما يسجّل غياب باريس عن السمع، ما يعني أن صبرها قد نفد وأنها أوكلت أمرها إلى بري بالنيابة عن ماكرون نظراً لانشغالها في أولويات تستدعي منها الالتفات إليها وهي تتعلق باستعداد الأخير لخوض الانتخابات الرئاسية طلباً لولاية رئاسية ثانية، علماً بأن الطريق ليست سالكة أمام باسيل للمقايضة بين إعطاء الضوء الأخضر لتشكيل الحكومة وبين مطالبته بالنيابة عن عون بتسمية الوزيرين المسيحيين، مع أن هذه المقايضة مرفوضة شكلاً ومضموناً.